لبنان على أعتاب مرحلة جديدة: نهاية عصر الميليشيات وبداية التعافي

لطالما كانت مفردة “المقاومة” حاضرة بقوة في الخطاب السياسي اللبناني، وأصبحت جزءًا من معادلة السلطة منذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000. إلا أن غيابها اللافت عن خطاب القَسَم للرئيس المنتخب جوزيف عون يعكس تحولًا جوهريًا في موازين القوى الداخلية والإقليمية، ويؤشر إلى نهاية مرحلة سيطرت فيها الهيمنة الميليشياوية على الدولة والمجتمع.

هذا التغيير لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تحولات كبرى شهدتها المنطقة منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، وما تلاها من حرب غير مسبوقة على غزة ولبنان، والتي أضعفت بشكل كبير “حزب الله” وقوّضت شرعيته الداخلية والإقليمية. فشل “المقاومة” في حماية لبنان أصبح اليوم حقيقة مكشوفة أمام الجميع، حتى داخل بيئة “حزب الله” نفسه، التي باتت تدرك أن تكلفة الولاء لهذا المشروع تفوق المكاسب الموعودة، وأنها أصبحت الضحية الأولى للسياسات التي يدّعي الحزب تمثيلها.

لم يكن انتخاب جوزيف عون مجرد حدث سياسي عابر، بل شكل تعبيرًا واضحًا عن رفض شعبي وسياسي لمسار عقود من استنزاف الدولة باسم “المقاومة”، وفتح الباب أمام خطاب لبناني جديد يطالب باستعادة الدولة ومؤسساتها بعيدًا عن الميليشيات والمشاريع الخارجية. يعكس هذا الانتخاب إرادة واضحة لإعادة ترتيب المشهد السياسي اللبناني على أسس جديدة، تتماشى مع التغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة.

تحديات المرحلة المقبلة

يواجه الرئيس جوزيف عون جملة من التحديات المعقدة، والتي سيتوقف عليها نجاح عهده في إرساء الاستقرار وإعادة بناء الدولة اللبنانية. وأبرز هذه التحديات:

  1. تفكيك البنية العسكرية لـ”حزب الله” وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار:
    يعد إنهاء النفوذ العسكري لـ”حزب الله” مسألة أساسية لتحقيق سيادة الدولة، لا سيما في ظل الضغوط الإقليمية والدولية التي تطالب بنزع سلاح الميليشيات. سيتطلب هذا الأمر مقاربة حذرة تدمج بين الضغوط السياسية والإجراءات الأمنية، إلى جانب إيجاد بدائل تعزز دور الجيش اللبناني كقوة وحيدة مسؤولة عن الأمن والدفاع.
  2. إعادة بناء الثقة بمؤسسات الدولة:
    لقد تعرضت مؤسسات الدولة اللبنانية لتآكل خطير نتيجة الفساد المستشري وهيمنة الطوائف والميليشيات على القرار السياسي. إعادة بناء هذه المؤسسات واستعادة فعاليتها ستكون خطوة محورية لجذب الدعم الإقليمي والدولي، وفتح الباب أمام معالجات جادة للأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعاني منها لبنان.
  3. ترتيب الواقع السياسي الداخلي والتحضير لانتخابات 2026:
    من الضروري إعادة هيكلة المشهد السياسي اللبناني ليعكس التوازنات الجديدة، بعيدًا عن الاستقطابات الطائفية التي غذتها القوى المسيطرة سابقًا. التحضير لانتخابات نيابية عام 2026 سيكون اختبارًا حقيقيًا لهذه التحولات، حيث يجب أن تتم في مناخ يعكس الإرادة الشعبية الحقيقية، ويحول دون عودة القوى التقليدية إلى احتكار السلطة.
  4. تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات واستعادة السيادة:
    من بين التحديات الأبرز أمام العهد الجديد هو تنفيذ القرارات الدولية التي تنص على نزع سلاح جميع الفصائل المسلحة، وهو ما سيساهم في إعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي كدولة ذات سيادة مستقلة، بعيدة عن المحاور الإقليمية والتدخلات الخارجية.

فرصة تاريخية للبنان

تشير هذه التحولات إلى أن لبنان يقف اليوم أمام فرصة تاريخية غير مسبوقة للانتقال من واقع الأزمات والحروب إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية. من إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة، إلى استعادة كفاءة الإدارة والقضاء، وصولًا إلى بناء اقتصاد مستدام يعتمد على التكامل الإقليمي بدلًا من الارتهان للصراعات.

إن انتخاب جوزيف عون جاء ليجسد مرحلة انتقالية، عنوانها الأساسي هو إنهاء حالة الاستنزاف التي عانى منها لبنان لعقود، منذ اتفاق القاهرة عام 1969 الذي شرّع وجود السلاح الفلسطيني، وصولًا إلى حقبة “حزب الله” التي أبقت البلاد رهينة لحسابات خارجية. اليوم، يفتح عهد جوزيف عون الباب أمام بناء دولة حديثة، قائمة على سيادة القانون والتنمية والاستقرار، بدلًا من البقاء في دوامة الميليشيات والصراعات العبثية.

خاتمة

لبنان اليوم أمام لحظة مفصلية، إما أن يستغلها لصالح بناء دولة حقيقية تليق بتطلعات شعبه، أو يضيعها في مستنقع الحسابات الضيقة والصراعات التي استنزفته لعقود. الكرة الآن في ملعب القوى السياسية اللبنانية، التي عليها أن تختار بين الاستمرار في رهانات الماضي الخاسرة، أو المضي قدمًا نحو مستقبل جديد قائم على سيادة الدولة، الأمن، والتنمية المستدامة.

#لبنان #جوزيف_عون #السيادة_الوطنية #حزب_الله #الإصلاح_السياسي #نزع_السلاح #تنمية_لبنان

Share this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *